فصل: الإيمان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


الإيمان‏:‏

الإيمان لغة‏:‏ التصديق‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ قول باللسان وعمل بالأركان وعقد بالجنان‏.‏

مثال القول‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏

ومثال العمل‏:‏ الركوع‏.‏

ومثال العقد‏:‏ الإيمان بالله وملائكته وغير ذلك مما يجب اعتقاده‏.‏

والدليل على أن هذا هو الإيمان قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏‏.‏ فجعل الإخلاص، والصلاة، والزكاة من الدين‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏ بلفظ ‏(‏فأفضلها قول ‏:‏ لا إله إلا الله‏)‏ وأصله في الصحيحين‏.‏

والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَزَادَهُمْ إِيمَاناً‏}‏‏.‏ ‏{‏لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ‏}‏‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يخرج من النار من قال ‏:‏ لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة، أو خردلة، أو ذرة من إيمان‏)‏‏.‏ رواه البخاري بنحوه فجعله النبي، صلى الله عليه وسلم ، متفاضلاً، وإذا ثبتت زيادته ثبت نقصه، لأن من لازم الزيادة أن يكون المزيد عليه ناقصاً عن الزائد‏.‏

فصل في السمعيات

السمعيات كل ما ثبت بالسمع أي بطريق الشرع ولم يكن للعقل فيه مدخل، وكل ما ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من أخبار فهو حق يجب تصديقه سواء شاهدناه بحواسنا، أو غاب عنا، وسواء أدركناه بعقولنا أم لم ندركه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ‏}‏‏.‏ وقد ذكر المؤلف من ذلك أموراً‏:‏

الأمر الأول‏:‏ الإسراء والمعراج ‏:‏

الإسراء لغة‏:‏ السير بالشخص ليلاً وقيل‏:‏ بمعنى سرى‏.‏

وشرعاً‏:‏سير جبريل بالنبي،صلى الله عليه وسلم،من مكة إلى بيت المقدس لقوله تعالى‏:‏‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى‏}‏‏.‏

والمعراج لغة‏:‏ الآلة التي يعرج بها وهي المصعد‏.‏

وشرعاً‏:‏ السلم الذي عرج به رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، من الأرض إلى السماء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى‏}‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى‏}‏‏.‏ وكانا في ليلة واحدة عند الجمهور، وللعلماء خلاف متى كانت‏؟‏ فيروى بسند منقطع عن ابن عباس وجابر رضي الله عنهم أنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ولم يعينا السنة رواه ابن أبي شبية‏.‏

ويروى عن الزهري وعروة أنها قبل الهجرة بسنة رواه البيهقي فتكون في ربيع الأول، ولم يعينا الليلة، وقاله ابن سعد وغيره وجزم به النووي‏.‏ ويروى عن السدي أنها قبل الهجرة بستة عشر شهراً‏.‏ رواه الحاكم‏.‏ فتكون في ذي القعدة‏.‏

وقيل‏:‏ قبل الهجرة بثلاث سنين‏.‏ وقيل‏:‏ بخمس‏.‏ وقيل‏:‏ بست‏.‏

وكان يقظة لا مناماً، لأن قريشاً أكبرته وأنكرته، ولو كان مناماً لم تنكره لأنها لا تنكر المنامات‏.‏

وقصته‏:‏ أن جبريل أمره الله أن يسري بالنبي، صلى الله عليه وسلم ، إلى بيت المقدس على البراق، ثم يعرج به إلى السموات العلا سماء، سماء، حتى بلغ مكاناً سمع فيه صريف الأقلام، وفرض الله عليه الصلوات الخمس، وأطلع على الجنة والنار، واتصل بالأنبياء الكرام، وصلى بهم إماماً، ثم رجع إلى مكة فحدث الناس بما رأى فكذبه الكافرون، وصدق به المؤمنون وتردد فيه آخرون‏.‏

الأمر الثاني‏:‏ مجيء ملك الموت إلى موسى صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏جاء ملك الموت بصورة إنسان إلى نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ليقبض روحه، فلطمه موسى ففقأ عينه، فرجع الملك إلى الله وقال‏:‏ ‏"‏أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت‏"‏ فرد الله عليه عينه وقال‏:‏ ‏"‏ارجع إليه، وقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطى يده بكل شعرة سنة‏"‏ فقال موسى‏:‏ ثم ماذا‏؟‏ قال‏:‏ ثم الموت قال‏:‏ فالآن‏.‏ فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر، قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر‏)‏‏.‏ وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وإنما أثبته المؤلف في العقيدة لأن بعض المبتدعة أنكره معللاً ذلك بأنه يمتنع أن موسى يلطم الملك‏.‏ ونرد عليهم‏:‏ بأن الملك أتى موسى بصورة إنسان لا يعرف موسى من هو‏؟‏ يطلب منه نفسه، فمقتضى الطبيعة البشرية أن يدافع المطلوب عن نفسه، ولو علم موسى أنه ملك لم يلطمه، ولذلك استسلم له في المرة الثانية حين جاء بما يدل أنه من عند الله، وهو إعطاؤه مهلة من السنين بقدر ما تحت يده من شعر ثور‏.‏

الأمر الثالث‏:‏ أشراط الساعة‏:‏

الأشراط جمع شرط وهو لغة العلامة‏.‏ والساعة لغة الوقت أو الحاضر منه‏.‏ والمراد بها هنا‏:‏ القيامة، فأشراط الساعة شرعاً العلامات الدالة على قرب يوم القيامة قال الله تعالى‏:‏‏{‏فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا‏}‏‏.‏ وذكر المؤلف من أشراط الساعة ما يأتي‏:‏

1- 1- ‏(‏خروج الدجال‏)‏ وهو لغة صيغة مبالغة من الدجل، وهو الكذب والتمويه‏.‏

وشرعاً‏:‏ رجل مموه يخرج في آخر الزمان يدعي الربوبية‏.‏ وخروجه ثابت بالسنة، والإجماع قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قولوا ‏:‏ اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏ وكان النبي، صلى الله عليه وسلم ، يتعوذ منه في الصلاة متفق عليه‏.‏

وأجمع المسلمون على خروجه‏.‏

وقصته أنه يخرج من طريق بين الشام والعراق، فيدعو الناس إلى عبادته فأكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب‏.‏ ويتبعه سبعون ألفاً من يهود أصفهان، فيسير في الأرض كلها كالغيث استدبرته الريح، إلا مكة والمدينة فيمنع منهما، ومدته أربعون يوماً‏:‏ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وباقي أيامه كالعادة، وهو أعورالعين مكتوب بين عينه ك ف ر يقرؤه المؤمن فقط، وله فتنة عظيمة منها أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، معه جنة ونار، فجنته، وناره جنة‏.‏ حذر منه النبي، صلى الله عليه وسلم ، وقال‏:‏ ‏(‏من سمع به فلينأ عنه، ومن أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، أو بفواتح سورة الكهف‏)‏‏.‏

2- 2- ‏(‏زول عيسى ابن مريم‏)‏‏:‏نزول عيسى ابن مريم ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ‏}‏أي‏:‏ موت عيسى وهذا حين نزوله كما فسره أبو هريرة بذلك‏.‏

وقال النبي،صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏والله لينزلن عيسى بن مريم حكماً وعدلاً‏)‏‏.‏الحديث متفق عليه‏.‏

وقد أجمع المسلمون على نزوله، فينزل عند المنارة البيضاء في شرقي دمشق واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، فلا يحل لكافر يجد من ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلب الدجال حتى يدركه بباب لد فيقتله، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ويحج ويعتمر، كل هذا ثابت في صحيح مسلم وبعضه في الصحيحين كليهما‏.‏ وروى الإمام أحمد وأبو داود أن عيسى يبقى بعد قتل الدجال أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون‏.‏ وذكر البخاري في تاريخه أنه يدفن مع النبي، صلى الله عليه وسلم ، فالله أعلم‏.‏

3- 3- ‏(‏يأجوج ومأجوج‏)‏ اسمان أعجميان أو عربيان مشتقان من المأج وهو الاضطراب، أو من أجيج النار وتلهبها‏.‏

وهما أمتان من بين آدم موجودتان بدليل الكتاب، والسنة‏.‏

قال الله تعالى في قصة ذي القرنين‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا‏}‏الآيات‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يقول الله يوم القيامة ‏:‏يا آدم قم فابعث بعث النار من ذريتك‏)‏، إلى أن قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أبشروا فإن منكم واحداً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً‏)‏‏.‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏

وخروجهم الذي يكون من أشراط الساعة لم يأت بعد، ولكن بوادره وجدت في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال‏:‏ ‏(‏فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها‏)‏‏.‏

وقد ثبت خروجهم في الكتاب، والسنة‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ‏}‏‏.‏ وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات‏)‏‏.‏ فذكر‏:‏ الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف‏:‏ خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم‏.‏ رواه مسلم وقصتهم في حديث النواس بن سمعان أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال في عيسى بن مريم بعد قتله الدجال‏:‏ ‏(‏فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور‏.‏ ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم ويقول ‏:‏ لقد كان بهذه مرة ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون‏:‏ لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً، ويحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مئة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل عليهم طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏

4- 4- ‏(‏خروج دابة‏)‏‏.‏ الدابة لغة‏:‏ كل ما دب على الأرض‏.‏ والمراد بها هنا‏:‏ الدابة التي يخرجها الله قرب قيام الساعة‏.‏‏.‏ وخروجها ثابت بالقرآن والسنة‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ‏}‏‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنها لن تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات‏)‏ وذكر منها الدابة‏.‏ رواه مسلم‏.‏

وليس في القرآن والسنة الصحيحة ما يدل على مكان خروج هذه الدابة وصفتها، وإنما وردت في ذلك أحاديث في صحتها نظر‏.‏ وظاهر القرآن أنها دابة تنذر الناس بقرب العذاب والهلاك والله أعلم‏.‏

5- 5- ‏(‏طلوع الشمس من مغربها‏)‏ طلوع الشمس من مغربها ثابت بالكتاب والسنة‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا‏}‏‏.‏ والمراد بذلك طلوع الشمس من مغربها‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكون آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

فتنة القبر‏:‏

الفتنة لغة‏:‏ الاختبار وفتنة القبر‏:‏ سؤال الميت عن ربه، ودينه، ونبيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة‏.‏

قال الله تعالى‏:‏‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏‏.‏ وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏‏)‏متفق عليه‏.‏

والسائل ملكان لقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم قال‏:‏ يأتيه ملكان فيقعدانه‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏ واسمهما منكر ونكير كما رواه الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً وقال ‏:‏ حسن غريب‏.‏ قال الألباني ‏:‏ وسنده حسن وهو على شرط مسلم، والسؤال عام للمكلفين من المؤمنين والكافرين، ومن هذه الأمة وغيرهم على القول الصحيح وفي غير المكلفين خلاف، وظاهر كلام ابن القيم في كتاب ‏(‏الروح‏)‏ ترجيح السؤال‏.‏ ويستثنى من ذلك الشهيد لحديث رواه النسائي، ومن مات مرابطاً في سبيل الله لحديث رواه مسلم‏.‏

عذاب القبر أو نعيمه‏:‏

عذاب القبر أو نعيمه حق ثابت بظاهر القرآن، وصريح السنة، وإجماع أهل السنة‏.‏ قال الله تعالى في سورة الواقعة‏:‏‏{‏فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ‏}‏، إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ‏}‏‏.‏ إلخ السورة‏.‏‏.‏ وكان النبي، صلى الله عليه وسلم ، يتعوذ بالله من عذاب القبر، وأمر أمته بذلك‏.‏ وقال النبي، صلى الله عليه وسلم ، في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر قال في المؤمن‏:‏ ‏(‏فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من ريحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره‏.‏ وقال في الكافر ‏:‏ فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه‏)‏‏.‏ الحديث رواه أحمد وأبو داود‏.‏

وقد اتفق السلف وأهل السنة على إثبات عذاب القبر ونعيمه ذكره ابن القيم في كتاب ‏(‏الروح‏)‏‏.‏

وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو‏.‏

نرد عليهم بأمرين‏:‏

1- 1- دلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف على ذلك‏.‏

2- 2- أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا فليس العذاب أو النعيم في القبر المحسوس في الدنيا‏.‏

هل عذاب القبر أو نعيمه على الروح أو على البدن‏؟‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ مذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم يحصل لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة، أو معذبة وأنها تتصل بالبدن أحياناً فيحصل له معها النعيم أو العذاب‏.‏

النفخ في الصور‏:‏

النفخ معروف‏.‏ والصور لغة‏:‏ القرن‏.‏

وشرعاً‏:‏ قرن عظيم التقمه إسرافيل ينتظر متى يؤمر بنفخه، وإسرافيل أحد الملائكة الكرام الذين يحملون العرش، وهما نفختان‏:‏

إحداهما‏:‏ نفخة الفزع ينفخ فيه فيفزع الناس ويصعقون إلا من شاء الله‏.‏

والثانية‏:‏ نفخة البعث ينفخ فيه فيبعثون ويقومون من قبورهم‏.‏

وقد دل على النفخ في الصور الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ‏}‏‏.‏ ‏{‏وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ‏}‏‏.‏

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً ثم لا يبقى أحد إلا صعق ثم ينزل الله مطراً كأنه الطل أو الظل -شك الراوي- فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون‏)‏‏.‏ رواه مسلم في حديث طويل‏.‏

وقد اتفقت الأمة على ثبوته‏.‏

البعث والحشر

البعث لغة‏:‏ الإرسال، والنشر‏.‏

وشرعاً‏:‏ إحياء الأموات يوم القيامة‏.‏

والحشر لغة‏:‏ الجمع‏.‏

وشرعاً‏:‏ جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم‏.‏

والبعث والحشر حق ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ‏}‏‏.‏وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ‏}‏‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يحشر الناس يوم القيام على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وأجمع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة‏.‏

ويحشر الناس حفاة لا نعال عليهم، عراة لا كسوة عليهم، غرلاً لا ختان فيهم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ‏}‏‏.‏ وقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنكم تحشرون حفاة، عراة، غرلاً، ثم قرأ ‏{‏كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏وأول من يكسى إبراهيم‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وفي حديث عبد الله بن أنيس المرفوع الذي رواه أحمد‏:‏ ‏(‏يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً، بهماً ‏.‏ قلنا‏:‏ وما بهماً ‏؟‏ قال‏:‏ ليس معهم شيء‏)‏‏.‏ الحديث‏.‏

الشفاعة

الشفاعة لغة‏:‏ جعل الوتر شفعاً‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة‏.‏

والشفاعة يوم القيامة نوعان‏:‏ خاصة بالنبي، صلى الله عليه وسلم ، وعامة له ولغيره‏.‏

فالخاصة به، صلى الله عليه وسلم ، شفاعته العظمى في أهل الموقف عند الله ليقضي بينهم حين يلحقهم من الكرب والغم مالا يطيقون، فيذهبون إلى آدم، فنوح فإبراهيم، فموسى، فعيسى، وكلهم يعتذرون فيأتون إلى النبي، صلى الله عليه وسلم ، فيشفع فيهم إلى الله فيأتي سبحانه وتعالى للقضاء بين عباده‏.‏

وقد ذكرت هذه الصفة في حديث الصور المشهور لكن سنده ضعيف متكلم فيه وحذفت من الأحاديث الصحيحة فاقتصر منها على ذكر الشفاعة في أهل الكبائر‏.‏

قال ابن كثير وشارح الطحاوية‏:‏ وكان مقصود السلف من الاقتصار على الشفاعة في أهل الكبائر هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة‏.‏

وهذه الشفاعة لا ينكرها المعتزلة والخوارج ويشترط فيها إذن الله لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏‏.‏

النوع الثاني العامة‏:‏ وهي الشفاعة فيمن دخل النار من المؤمنين أهل الكبائر أن يخرجوا منها بعدما احترقوا وصاروا فحماً وحميماً‏.‏ لحديث أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس، أو كما قال تصيبهم النار بذنوبهم، أو قال‏:‏ بخطاياهم فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحماً أذن في الشفاعة‏)‏‏.‏ الحديث رواه أحمد‏.‏

قال ابن كثير في النهاية ص204ج2 ‏:‏ وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه‏.‏

وهذه الشفاعة تكون للنبي، صلى الله عليه وسلم ، وغيره من الأنبياء، والملائكة والمؤمنين لحديث أبي سعيد عن النبي، صلى الله عليه وسلم ، وفيه‏:‏ ‏(‏فيقول الله تعالى ‏:‏شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وهذه الشفاعة ينكرها المعتزلة والخوارج بناء على مذهبهم أن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة‏.‏

ونرد عليهم بما يأتي‏:‏

1- 1- أن ذلك مخالف للمتواتر من الأحاديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم ‏.‏

2- 2- أنه مخالف لإجماع السلف‏.‏

ويشترط لهذه الشفاعة شرطان‏:‏

الأول‏:‏ إذن الله في الشفاعة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ‏}‏‏.‏ الثاني‏:‏ رضا الله عن الشافع والمشفوع له لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى‏}‏‏.‏ فأما الكافر فلا شفاعة له لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ‏}‏‏.‏ أي لو فرض أن أحداً شفع لهم لم تنفعهم الشفاعة‏.‏

وأما شفاعة النبي، صلى الله عليه وسلم ، لعمه أبي طالب حتى كان في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً، قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏ فهذا خاص بالنبي، صلى الله عليه وسلم ، وبعمه أبي طالب، فقط، وذلك والله أعلم لما قام به من نصرة النبي، صلى الله عليه وسلم ، والدفاع عنه، وعما جاء به‏.‏

الحساب

الحساب لغة‏:‏ العدد‏.‏

وشرعاً‏:‏ إطلاع الله عباده على أعمالهم‏.‏

وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع المسلمين‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ‏}‏‏.‏ وكان النبي، صلى الله عليه وسلم ، يقول في بعض صلاته‏:‏ ‏(‏اللهم حاسبني حساباً يسيراً‏.‏ فقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ما الحساب اليسير‏؟‏ قال‏:‏ أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه‏)‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏ وقال الألباني ‏:‏ إسناده جيد‏.‏

وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة‏.‏

وصفة الحساب للمؤمن‏:‏ أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، حتى إذا رأى أنه قد هلك‏.‏ قال الله له‏:‏ سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته‏.‏

وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق ‏{‏هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏ متفق عليه من حديث ابن عمر‏.‏

والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي، صلى الله عليه وسلم ، وهم سبعون ألفاً من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب‏.‏ متفق عليه‏.‏ وروى أحمد من حديث ثوبان مرفوعاً أن مع كل واحد سبعين ألفاً، قال ابن كثير‏:‏ حديث صحيح وذكر له شواهد‏.‏

وأول من يحاسب هذه الأمة لقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق‏)‏‏.‏ متفق عليه، وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعاً‏:‏ ‏(‏نحن آخر الأمم وأول من يحاسب‏)‏ الحديث‏.‏

وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة لقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله‏)‏‏.‏ رواه الطبراني في الأوسط وسنده لا بأس به إن شاء الله، قال المنذري في الترغيب والترهيب ص246 ج1 ‏:‏ وأول ما يقضى بين الناس في الدماء لقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

الموازين

الموازين جمع ميزان، وهو لغة‏:‏ ما تقدر به الأشياء خفة وثقلاً‏.‏ وشرعاً‏:‏ ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد‏.‏

وقد دل عليه الكتاب، والسنة، وإجماع السلف‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ‏}‏‏.‏

{‏وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‏}‏‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وأجمع السلف على ثبوت ذلك‏.‏

وهو ميزان حقيقي، له كفتان، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي، صلى الله عليه وسلم ، في صاحب البطاقة قال‏:‏ ‏(‏فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة‏)‏‏.‏ الحديث رواه الترمذي وابن ماجه‏.‏ قال الألباني‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

واختلف العلماء هل هو ميزان واحد أو متعدد‏؟‏

فقال بعضهم‏:‏ متعدد بحسب الأمم، أو الأفراد، أو الأعمال لأنه لم يرد في القرآن إلا مجموعاً وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس‏.‏

وقال بعضهم‏:‏هو ميزان واحد لأنه ورد في الحديث مفرداً، وأما جمعه في القرآن فباعتبار الموزون وكلا الأمرين محتمل‏.‏ والله أعلم‏.‏

والذي يوزن العمل لظاهر الآية السابقة والحديث بعدها‏.‏

وقيل‏:‏ صحائف العمل لحديث صاحب البطاقة‏.‏

وقيل‏:‏ العامل نفسه لحديث أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال‏:‏ ‏(‏إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة‏"‏‏.‏ وقال اقرؤوا‏:‏ ‏{‏فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا‏}‏ ‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وجمع بعض العلماء بين هذه النصوص بأن الجميع يوزن، أو أن الوزن حقيقة للصحائف وحيث إنها تثقل وتخف بحسب الأعمال المكتوبة صار الوزن كأنه للأعمال، وأما وزن صاحب العمل فالمراد به قدره وحرمته‏.‏ وهذا جمع حسن والله أعلم‏.‏

نشر الدواوين

النشر لغة‏:‏ فتح الكتاب أو بث الشيء‏.‏

وشرعاً‏:‏ إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة وتوزيعها‏.‏

والدواوين‏:‏ جمع ديوان وهو لغة‏:‏ الكتاب يحصى فيه الجند ونحوهم‏.‏

وشرعاً‏:‏ الصحائف التي أحصيت فيها الأعمال التي كتبها الملائكة على العامل‏.‏

فنشر الدوواين إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة، فتتطاير إلى الأيمان والشمائل، وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة‏.‏

قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا‏}‏‏.‏ ‏{‏وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ‏}‏‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هل تذكرون أهليكم‏؟‏ قال‏:‏ أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً ‏:‏عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه، أم في شماله، أم وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز‏)‏‏.‏ رواه أبو داود والحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرطهما‏.‏

وأجمع المسلمون على ثبوت ذلك‏.‏

صفة أخذ الكتاب

المؤمن يأخذ كتابه بيمينه فيفرح ويستبشر ويقول‏:‏ ‏{‏هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ‏}‏‏.‏

والكافر يأخذه بشماله، أو من وراء ظهره فيدعو بالويل والثبور ويقول‏:‏ ‏{‏يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ‏}‏‏.‏

الحوض

الحوض لغة‏:‏ الجمع‏.‏ يقال ‏:‏حاض الماء يحوضه إذا جمعه، ويطلق على مجتمع الماء‏.‏

وشرعاً‏:‏ حوض الماء النازل من الكوثر في عرصات القيامة للنبي، صلى الله عليه وسلم‏.‏

ودل عليه السنة المتواترة، وأجمع عليه أهل السنة‏.‏

قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني فرطكم على الحوض‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وأجمع السلف أهل السنة على ثبوته، وقد أنكر المعتزلة ثبوت الحوض ونرد عليهم بأمرين‏:‏

1- 1- الأحاديث المتواترة عن الرسول، صلى الله عليه وسلم‏.‏

2- 2- إجماع أهل السنة على ذلك‏.‏

صفة الحوض

طوله شهر، وعرضه شهر، وزواياه سواء، وآنيته كنجوم السماء، وماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل، وأطيب من ريح المسك، فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب ، والثاني من فضة، يرده المؤمنون من أمة محمد، ومن يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، وكل هذا ثابت في الصحيحين أو أحدهما‏.‏

وهو موجود الآن لقوله، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن‏)‏، رواه البخاري‏.‏

واستمداده من الكوثر لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وأعطاني الكوثر وهو نهر في الجنة يسيل في حوض‏)‏‏.‏ رواه أحمد‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ وهو حسن الإسناد والمتن‏.‏

ولكل نبي حوض، ولكن حوض النبي، صلى الله عليه وسلم ، أكبرها وأعظمها وأكثرها واردة لقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن لكل نبي حوضاً، وإنهم ليتباهون أيهم أكثر واردة، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة‏)‏‏.‏ رواه الترمذي وقال ‏:‏غريب وروى ذلك ابن أبي الدنيا وابن ماجه من حديث أبي سعيد، وفيه ضعف لكن صححه بعضهم من أجل تعدد الطرق‏.‏

الصراط

الصراط لغة‏:‏ الطريق‏.‏

وشرعاً‏:‏ الجسر الممدود على جهنم ليعبر الناس عليه إلى الجنة‏.‏

وهو ثابت بالكتاب، والسنة، وقول السلف‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا‏}‏‏.‏ فسرها عبد الله بن مسعود، وقتادة، وزيد بن أسلم بالمرور على الصراط‏.‏

وفسرها جماعة منهم ابن عباس بالدخول في النار لكن ينجون منها‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون ‏:‏ اللهم سلم سلم‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

واتفق أهل السنة على إثباته‏.‏

صفة الصراط

سئل النبي، صلى الله عليه وسلم ، عن الصراط فقال‏:‏ ‏(‏مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة لها شكوة عقيفاء، تكون بنجد، يقال لها‏:‏ السعدان‏)‏‏.‏ رواه البخاري وله من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏وبه كلاليب مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله يخطف الناس بأعمالهم‏)‏‏.‏ وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال‏:‏ بلغني أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف‏.‏ وروى الإمام أحمد نحوه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً‏.‏

العبور على الصراط وكيفيته

لا يعبر الصراط إلا المؤمنون على قدر أعمالهم لحديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم ، وفيه‏:‏ ‏(‏فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل ومكدوس في جهنم‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ وفي صحيح مسلم‏:‏ ‏(‏تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول‏:‏ يارب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً‏)‏‏.‏ وفي صحيح البخاري‏:‏ ‏(‏حتى يمر آخرهم يسحب سحباً‏)‏‏.‏

وأول من يعبر الصراط من الأنبياء محمد، صلى الله عليه وسلم ، ومن الأمم أمته لقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعاء الرسول يومئذ اللهم سلم سلم‏)‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏

الجنة والنار

الجنة لغة‏:‏ البستان الكثير الأشجار‏.‏

وشرعاً‏:‏ الدار التي أعدها الله في الآخرة للمتقين‏.‏

والنار لغة‏:‏ معروفة‏.‏

وشرعاً‏:‏ الدار التي أعدها الله في الآخرة للكافرين‏.‏

وهما مخلوقتان الآن لقوله تعالى في الجنة‏:‏‏{‏أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏وفي النار‏:‏‏{‏أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏‏.‏ والإعداد التهيئة ولقوله، صلى الله عليه وسلم ، حين صلى صلاة الكسوف‏:‏ ‏(‏إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

والجنة والنار لا تفنيان لقوله‏:‏ ‏{‏جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏‏.‏ والآيات في تأبيد الخلود في الجنة كثيرة ، وأما في النار فذكر في ثلاثة مواضع ‏:‏ في النساء ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏‏.‏ وفي الأحزاب ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏‏.‏ وفي الجن‏:‏ ‏{‏وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏‏.‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ‏}‏‏.‏

مكان الجنة والنار

الجنة في أعلى عليين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏}‏‏.‏ وقوله، صلى الله عليه وسلم ، في حديث البراء بن عازب المشهور في قصة فتنة القبر‏:‏ ‏(‏فيقول الله عز وجل‏:‏ اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض‏)‏‏.‏

والنار في أسفل سافلين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏}‏‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء بن عازب السابق‏:‏ ‏(‏فيقول الله تعالى ‏:‏ اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى‏)‏‏.‏

أهل الجنة وأهل النار

أهل الجنة كل مؤمن تقي لأنهم أولياء الله، قال الله تعالى في الجنة‏:‏ ‏{‏أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏}‏‏.‏ ‏{‏أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ‏}‏‏.‏

وأهل النار كل كافر شقي قال الله تعالى في النار‏:‏ ‏{‏أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏‏.‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ‏}‏‏.‏

ذبح الموت

الموت زوال الحياة، وكل نفس ذائقة الموت، وهو أمر معنوي غير محسوس بالرؤية، ولكن الله تعالى يجعله شيئاً مرئياً مجسماً ويذبح بين الجنة والنار لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال‏:‏ ‏(‏يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي منادٍ يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول‏:‏ هل تعرفون هذا‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم، هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم ينادي‏:‏ يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيقول‏:‏ هل تعرفون هذا‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم هذا الموت وكلهم وقد رآه‏.‏ فيذبح‏.‏ ثم يقول‏:‏ يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت‏.‏ ثم قرأ‏:‏ ‏{‏وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏}‏‏)‏‏.‏ أخرجه البخاري في تفسير هذه الآية، وروى نحوه في صفة الجنة والنار من حديث ابن عمر مرفوعاً‏.‏

فصل في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

أفضل الخلق عند الله الرسل، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون وقد ذكر الله هذه الطبقات في كتابه في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا‏}‏‏.‏

وأفضل الرسل أولو العزم منهم وهم خمسة‏:‏ نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلوات من الله والتسليم، وقد ذكرهم الله في موضعين من كتابه ‏:‏في الأحزاب‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ‏}‏‏.‏ وفي الشورى‏:‏ ‏{‏شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى‏}‏‏.‏

وأفضلهم محمد، صلى الله عليه وسلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أنا سيد الناس يوم القيامة‏)‏‏.‏ متفق عليه، وصلاتهم خلفه ليلة المعراج وغير ذلك من الأدلة‏.‏

ثم إبراهيم لأنه أبو الأنبياء وملته أصل الملل، ثم موسى لأنه افضل أنبياء بني إسرائيل وشريعته أصل شرائعهم، ثم نوح وعيسى لا يجزم بالمفاضلة بينهما لأن لكل منهما مزية‏.‏

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

اختص النبي، صلى الله عليه وسلم ، بخصائص نتكلم على ما ذكر المؤلف منها‏:‏

1- خاتم النبيين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ‏}‏‏.‏

2- سيد المرسلين وسبق دليله‏.‏

3- لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن برسالته لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ‏}‏‏.‏ وغيره من الأنبياء يبعثون إلى أقوام معينين كل إلى قومه‏.‏

4- لا يقضى بين الناس إلا بشفاعته وسبق دليل ذلك في الشفاعة‏.‏

5- سبق أمته الأمم في دخول الجنة لعموم قوله، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏نحن الآخرون السابقون يوم القيامة‏)‏‏.‏ وسبق‏.‏

6- صاحب لواء الحمد يحمله،صلى الله عليه وسلم،يوم القيامة ويكون الحامدون تحته، لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي،صلى الله عليه وسلم،قال‏:‏ ‏(‏أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر،وبيدي لواء الحمد ولا فخر،وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر‏)‏‏.‏ رواه الترمذي، وقد روى الأولى والأخيرة مسلم‏.‏

7- صاحب المقام المحمود أي العمل الذي يحمده عليه الخالق والمخلوق لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا‏}‏‏.‏ وهذا المقام هو ما يحصل من مناقبه، صلى الله عليه وسلم ، يوم القيامة من الشفاعة وغيرها‏.‏

8- صاحب الحوض المورود، والمراد الحوض الكبير الكثير واردوه، أما مجرد الحياض فقد مر أن لكل نبي حوضاً‏.‏

9،10،11- إمام النبيين، وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم لحديث أبي بن كعب أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم، وصاحب شفاعتهم غير فخر‏)‏‏.‏ رواه الترمذي وحسنه‏.‏

12- أمته خير الأمم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏}‏‏.‏ فأما قوله تعالى‏:‏‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏ فالمراد عالمي زمانهم‏.‏

فضائل الصحابة

الصحابي من اجتمع بالنبي، صلى الله عليه وسلم ، مؤمناً به ومات على ذلك‏.‏

وأصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم ، أفضل أصحاب الأنبياء لقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خير الناس قرني‏)‏‏.‏ الحديث رواه البخاري وغيره‏.‏

وأفضل الصحابة المهاجرون لجمعهم بين الهجرة والنصرة، ثم الأنصار‏.‏

وأفضل المهاجرين الخلفاء الأربعة الراشدون‏:‏أبو بكر، وعمر،وعثمان، وعلي رضي الله عنهم‏.‏

فأبو بكر هو الصديق عبد الله بن عثمان بن عامر من بني تيم بن مرة بن كعب، أول من آمن برسول الله، صلى الله عليه وسلم ، من الرجال وصاحبه في الهجرة، ونائبه في الصلاة والحج، وخليفته في أمته، أسلم على يديه خمسة من المبشرين بالجنة عثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن ابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، توفي في جمادى الآخرة سنة 13هـ عن63 سنة وهؤلاء الخمسة مع أبي بكر، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، هم الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام قاله ابن إسحاق يعني من الذكور بعد الرسالة‏.‏

وعمر هو أبو حفص الفاروق عمر بن الخطاب من بني عدي بن كعب بن لؤي، أسلم في السنة السادسة من البعثة بعد نحو أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة، ففرح المسلمون به وظهر الإسلام بمكة بعده‏.‏ استخلفه أبو بكر على الأمة فقام بأعباء الخلافة خير قيام إلى أن قتل شهيداً في ذي الحجة سنة 23هـ عن63 سنة‏.‏

وعثمان هو أبو عبد الله ذو النورين عثمان بن عفان من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف‏.‏ أسلم قبل دخول النبي، صلى الله عليه وسلم ، دار الأرقم كان غنياً سخياً، تولى الخلافة بعد عمر بن الخطاب باتفاق أهل الشورى إلى أن قتل شهيداً في ذي الحجة سنة 35هـ عن 90سنة على أحد الأقوال‏.‏

وعلي وهو أبو الحسن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، أول من أسلم من الغلمان، أعطاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، الراية يوم خيبر ففتح الله على يديه، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان رضي الله عنهما فكان هو الخليفة شرعاً إلى أن قتل شهيداً في رمضان سنة 40هـ عن 63سنة‏.‏

وأفضل هؤلاء الأربعة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ ‏(‏كنا نخير بين الناس في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم ، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان‏)‏‏.‏ رواه البخاري ولأبي داود‏:‏ ‏(‏كنا نقول ورسول الله، صلى الله عليه وسلم ، حي‏:‏ أفضل أمة النبي، صلى الله عليه وسلم ، بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان‏)‏ زاد الطبراني في رواية‏:‏ ‏(‏فيسمع ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم ، فلا ينكره‏)‏‏.‏ هذا ولم أجد اللفظ ذكره المؤلف بزيادة علي بن أبي طالب‏.‏

وأحقهم بالخلافة بعد النبي، صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر رضي الله عنه لأنه أفضلهم وأسبقهم إلى الإسلام، ولأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، قدمه في الصلاة، ولأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على تقديمه ومبايعته ولا يجمعهم الله على ضلالة، ثم عمر رضي الله عنه لأنه أفضل الصحابة بعد أبي بكر، ولأن أبا بكر عهد بالخلافة إليه، ثم عثمان رضي الله عنه لفضله، وتقديم أهل الشورى له وهم المذكرون في هذا البيت‏:‏

علي وعثمان وسعد وطلحة ** زبير وذو عوف رجال المشورة

ثم علي رضي الله عنه لفضله، وإجماع أهل عصره عليه‏.‏

وهؤلاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال فيهم النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏الخلافة بعدي ثلاثون سنة‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي قال الألباني‏:‏ وإسناده حسن‏.‏ فكان آخرها خلافة علي هكذا قال المؤلف وكأنه جعل خلافة الحسن تابعة لأبيه، أو لم يعتبرها حيث إنه رضي الله عنه تنازل عنها‏.‏

فخلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتان وثلاثة أشهر وتسع ليال من 13 ربيع الأول سنة 11هـ إلى 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ‏.‏

وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنوات وستة أشهر وثلاثة أيام من 23 جمادى الآخرة سنة 13هـ إلى 26 ذي الحجة سنة 23هـ‏.‏

وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنتا عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً من 1 محرم سنة 24هـ إلى 18 ذي الحجة سنة 35 هـ‏.‏

وخلافة علي رضي الله عنه أربع سنوات وتسعة أشهر من ذي الحجة سنة 35هـ إلى 19 رمضان سنة 40هـ‏.‏

فمجموع خلافة هؤلاء الأربعة تسع وعشرون سنة وستة أشهر وأربعة أيام‏.‏

ثم بويع الحسن بن علي رضي الله عنهما يوم مات أبوه علي رضي الله عنه، وفي ربيع الأول سنة 41هـ سلم الأمر إلى معاوية وبذلك ظهرت آية النبي، صلى الله عليه وسلم ، في قوله‏:‏ الخلافة بعدي ثلاثون سنة وقوله في الحسن‏:‏ ‏(‏إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين‏)‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏

الشهادة بالجنة أو النار

الشهادة بالجنة أو بالنار ليس للعقل فيها مدخل فهي موقوفة على الشرع، فمن شهد له الشارع بذلك شهدنا له، ومن لا فلا، لكننا نرجو للمحسن، ونخاف على المسيء‏.‏

وتنقسم الشهادة بالجنة أو بالنار إلى قسمين عامة وخاصة‏.‏

فالعامة هي المعلقة بالوصف مثل أن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة أو لكل كافر بأنه في النار أو نحو ذلك من الأوصاف التي جعلها الشارع سبباً لدخول الجنة أو النار‏.‏

والخاصة هي المعلقة بشخص مثل أن نشهد لشخص معين بأنه في الجنة، أو لشخص معين بأنه في النار فلا نعين إلا ما عينه الله أو رسوله‏.‏

المعينون من أهل الجنة

المعينون من أهل الجنة كثيرون ومنهم‏:‏ العشرة المبشرون بالجنة وخصوا بهذا الوصف لأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، جمعهم في حديث واحد فقال‏:‏ ‏(‏أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة‏)‏‏.‏ رواه الترمذي وصححه الألباني‏.‏

وقد سبق الكلام على الخلفاء الأربعة وأما الباقون فجمعوا في هذا البيت‏:‏

سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ** وعامر فهر والزبير الممدح

فطلحة هو ابن عبيد الله من بني يتم بن مرة أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام قتل يوم الجمل في جمادى الآخرة سنة 36هـ عن 64سنة‏.‏

والزبير هو ابن العوام من بني قصي بن كلاب ابن عمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، انصرف يوم الجمل عن قتال علي فلقيه ابن جرموز فقتله في جمادى الأولى سنة 36هـ عن 67سنة‏.‏

وعبد الرحمن بن عوف من بني زهرة بن كلاب توفي سنة 32هـ عن 72سنة ودفن بالبقيع‏.‏

وسعد بن أبي وقاص هو ابن مالك من بني عبد مناف بن زهرة أول من رمى بسهم في سبيل الله، مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ودفن بالبقيع سنة 55هـ عن 82سنة‏.‏

وسعيد بن زيد هو ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي كان من السابقين إلى الإسلام، توفي بالعقيق ودفن بالمدينة سنة 51هـ عن بضع وسبعين سنة‏.‏

وأبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجراح من بني فهر، من السابقين إلى الإسلام توفي في الأردن في طاعون عمواس سنة 18هـ عن 58سنة‏.‏

وممن شهد له النبي، صلى الله عليه وسلم ، بالجنة الحسن، والحسين، وثابت بن قيس‏.‏

قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة‏)‏‏.‏ رواه الترمذي، وقال ‏:‏حسن صحيح‏.‏

قال صلى الله عليه وسلم ، في ثابت بن قيس‏:‏ ‏(‏إنك لست من أهل النار، ولكنك من أهل الجنة‏)‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏

فالحسن سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وريحانته وهو أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولد في 15 رمضان سنة 3هـ ومات في المدينة ودفن في البقيع في ربيع الأول سنة 50هـ‏.‏

والحسين سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وريحانته وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولد في شعبان سنة 4هـ وقتل في كربلاء في 10 محرم سنة 61هـ‏.‏

وثابت وهو ابن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي خطيب الأنصار قتل شهيداً يوم اليمامة سنة 11هـ في آخرها، أو أول سنة 12هـ‏.‏

المعينون من أهل النار في الكتاب والسنة

من المعينين بالقرآن‏:‏ أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي، صلى الله عليه وسلم ، وامرأته أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏إلى آخر السورة‏.‏

ومن المعينين بالسنة‏:‏ أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب لقول النبي، صلى الله عليه وسلم ‏(‏أهون أهل النار عذاباً أبو طالب وهو منتعل نعلين يغلي منهما دماغه‏)‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏

ومنهم عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي قال النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏رأيته يجر أمعاءه في النار‏)‏‏.‏ رواه البخاري وغيره‏.‏

تكفير أهل القبلة بالمعاصي

أهل القبلة هم المسلمون المصلون إليها ، لا يكفرون بفعل الكبائر ، ولا يخرجون من الإسلام بذلك ، ولا يخلدون في النار لقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا‏}‏إلى قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏}‏‏.‏ فأثبت الأخوة الإيمانية مع القتال وهو من الكبائر، ولو كان كفراً لانتفت الأخوة الإيمانية‏.‏

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه‏)‏‏.‏ يعني من النار‏.‏ متفق عليه‏.‏

وخالف في هذا طائفتان‏:‏

الأولى‏:‏ الخوارج قالوا‏:‏ فاعل الكبيرة كافر خالد في النار‏.‏

الثانية‏:‏ المعتزلة قالوا‏:‏ فاعل الكبيرة خارج عن الإيمان ليس بمؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين وهو خالد في النار‏.‏

ونرد على الطائفتين بما يأتي‏:‏

1- 1- مخالفتهم لنصوص الكتاب، والسنة‏.‏

2- 2- مخالفتهم لإجماع السلف‏.‏

حقوق الصحابة رضي الله عنهم

للصحابة رضي الله عنهم فضل عظيم على هذه الأمة حيث قاموا بنصرة الله، ورسوله، والجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وحفظ دين الله بحفظ كتابه، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم ، علماً، وعملاً، وتعليماً حتى بلغوه الأمة نقياً طرياً‏.‏

وقد أثنى الله عليهم في كتابه أعظم ثناء حيث يقول في سورة الفتح‏:‏ ‏{‏مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا‏}‏‏.‏ إلى آخر السورة‏.‏

وحمى رسول الله، صلى الله عليه وسلم ،كرامتهم حيث يقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏ فحقوقهم على الأمة من أعظم الحقوق فلهم على الأمة‏:‏

1- 1- محبتهم بالقلب، والثناء عليهم باللسان بما أسدوه من المعروف والإحسان‏.‏

2- 2- الترحم عليهم، والاستغفار لهم تحقيقاً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏.‏

3- 3- الكف عن مساوئهم التي إن صدرت عن أحد منهم فهي قليلة بالنسبة لما لهم من المحاسن والفضائل وربما تكون صادرة عن اجتهاد مغفور وعمل معذور لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تسبوا أصحابي‏)‏‏.‏ الحديث‏.‏

حكم سب الصحابة

سب الصحابة على ثلاثة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا، فهذا كفر، لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب أو السنة كفار، أو فساق‏.‏

الثاني‏:‏ أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال‏.‏

الثالث‏:‏ أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل فلا يكفر ولكن يعزر بما يردعه عن ذلك، ذكر معنى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب ‏"‏الصارم المسلول‏"‏ ونقل عن أحمد في ص 573 قوله‏:‏ ‏(‏لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب أو نقص، فمن فعل ذلك أدب، فإن تاب وإلا جلد في الحبس حتى يموت أو يرجع‏)‏‏.‏

حقوق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

زوجات النبي، صلى الله عليه وسلم ، زوجاته في الدنيا والآخرة، وأمهات المؤمنين ولهن من الحرمة والتعظيم ما يليق بهن كزوجات لخاتم النبيين فهن من آل بيته طاهرات، مطهرات، طيبات، مطيبات، بريئات، مبرآت من كل سوء يقدح في أعراضهن وفرشهن، فالطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات، فرضي الله عنهن وأرضاهن أجمعين وصلى الله وسلم على نبيه الصادق الأمين‏.‏

زوجاته صلى الله عليه وسلم ، اللاتي كان فراقهن بالوفاة وهن‏:‏

1- خديجة بنت خويلد أم أولاده - ماعدا إبراهيم - تزوجها رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، بعد زوجين‏:‏ الأول عتيق بن عابد‏.‏ والثاني أبو هالة التميمي ولم يتزوج، صلى الله عليه وسلم ، عليها حتى ماتت سنة 10 من البعثة قبل المعراج‏.‏

2- عائشة بنت أبي بكر الصديق أريها، صلى الله عليه وسلم ، في المنام مرتين أو ثلاثاً وقيل‏:‏ هذه امرأتك فعقد عليها ولها ست سنين بمكة ودخل عليها في المدينة ولها تسع سنين توفيت سنة 58هـ‏.‏

3- سودة بنت زمعة العامرية، تزوجها بعد زوج مسلم هو السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو توفيت آخر خلافة عمر وقيل‏:‏ سنة 54هـ‏.‏

4- حفصة بنت عمر بن الخطاب تزوجها، صلى الله عليه وسلم ، بعد زوج مسلم هو خنيس بن حذافة الذي قتل في أحد وماتت سنة 41هـ‏.‏

5- زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين تزوجها بعد استشهاد زوجها عبد الله بن جحش في أحد وماتت سنة 4هـ بعد زواجها بيسير‏.‏

6- أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية تزوجها بعد موت زوجها أبي سلمة عبد الله ابن عبد الأسد من جراحة أصابته في أحد وماتت سنة 61هـ‏.‏

7- زينب بنت جحش الأسدية بنت عمته، صلى الله عليه وسلم ، تزوجها بعد مولاه زيد بن حارثة سنة 5هـ وماتت سنة 20هـ‏.‏

8- جويرية بنت الحارث الخزاعية تزوجها بعد زوجها مسافع بن صفوان وقيل‏:‏ مالك ابن صفوان سنة 6هـ وماتت سنة 56هـ‏.‏

9- أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان تزوجها بعد زوج أسلم ثم تنصر هو عبيد الله بن جحش وماتت في المدينة في خلافة أخيها سنة 44هـ‏.‏

10- صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير من ذرية هارون بن عمران، صلى الله عليه وسلم ، أعتقها وجعل عتقها صداقها بعد زوجين أولهما سلام بن مشكم‏.‏ والثاني كنانة بن أبي الحقيق بعد فتح خيبر سنة 6هـ وماتت سنة 50هـ‏.‏

11- ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها سنة 7هـ في عمرة القضاء بين زوجين‏:‏ الأول ابن عبد ياليل والثاني أبو رهم بن عبد العزى، بنى بها في سرف وماتت فيه سنة 51هـ‏.‏

فهؤلاء زوجات النبي، صلى الله عليه وسلم، اللاتي كان فراقهن بالوفاة اثنتان توفيتا قبله وهما‏:‏ خديجة، وزينب بنت خزيمة، وتسع توفي عنهن وهن البواقي‏.‏

وبقي اثنتان لم يدخل بهما، ولا يثبت لهما من الأحكام والفضيلة ما يثبت للسابقات وهما‏:‏

1- أسماء بنت النعمان الكندية تزوجها النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم فارقها واختلف في سبب الفراق فقال ابن إسحاق إنه وجد في كشحها بياضاً ففارقها فتزوجها بعده المهاجر بن أبي أمية‏.‏

2- أميمة بنت النعمان بن شراحيل الجونية وهي التي قالت‏:‏ ‏(‏أعوذ بالله منك‏)‏ ففارقها والله أعلم‏.‏

وأفضل زوجات النبي، صلى الله عليه وسلم، خديجة، وعائشة رضي الله عنهما، ولكل منهما مزية على الأخرى، فلخديجة في أول الإسلام ما ليس لعائشة من السبق والمؤازرة، والنصرة، ولعائشة في آخر الأمر ما ليس لخديجة من نشر العلم، ونفع الأمة، وقد برأها الله مما رماها به أهل النفاق من الإفك في سورة النور‏.‏

قذف أمهات المؤمنين

قذف عائشة بما برأها الله منه كفر، لأنه تكذيب للقرآن وفي قذف غيرها من أمهات المؤمنين قولان لأهل العلم‏:‏ أصحهما أنه كفر، لأنه قدح في النبي، صلى الله عليه وسلم، فإن الخبيثات للخبيثين‏.‏

معاوية بن أبي سفيان

هو أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب، ولد قبل البعثة بخمس سنين، وأسلم عام الفتح وقيل‏:‏ أسلم بعد الحديبية وكتم إسلامه ولاه عمر الشام واستمر عليه، وتسمى بالخلافة بعد الحكمين عام 37هـ واجتمع الناس عليه بعد تنازل الحسن بن علي سنة 41هـ كان يكتب للنبي، صلى الله عليه وسلم، ومن جملة كتاب الوحي، توفي في رجب سنة 60هـ عن 78سنة، وإنما ذكره المؤلف وأثنى عليه للرد على الروافض الذين يسبونه ويقدحون فيه، وسماه خال المؤمنين لأنه أخو أم حبيبة إحدى أمهات المؤمنين وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة ص 199 ج2 نزاعاً بين العلماء هل يقال لإخوة أمهات المؤمنين ‏:‏ أخوال المؤمنين أم لا‏؟‏

الخلافة

الخلافة منصب كبير، ومسؤولية عظيمة، وهي تولي تدبير أمور المسلمين بحيث يكون هو المسؤول الأول في ذلك، وهي فرض كفاية، لأن أمور الناس لا تقوم إلا بها‏.‏

وتحصل الخلافة بواحد من أمور ثلاثة‏:‏

الأول‏:‏ النص عليه من الخليفة السابق، كما في خلافة عمر بن الخطاب فإنها بنص من أبي بكر رضي الله عنه‏.‏

الثاني‏:‏ اجتماع أهل الحل والعقد سواء كانوا معينين من الخليفة السابق كما في خلافة عثمان رضي الله عنه، فإنها باجتماع من أهل الحل والعقد المعينين من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أم غير معينين كما في خلافة أبي بكر رضي الله عنه على أحد الأقوال، وكما في خلافة علي رضي الله عنه‏.‏

الثالث‏:‏ القهر والغلبة كما في خلافة عبد الملك بن مروان حين قتل ابن الزبير وتمت الخلافة له‏.‏

حكم طاعة الخليفة

طاعة الخليفة وغيره من ولاة الأمور واجبة في غير معصية الله لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ‏}‏‏.‏

ولقوله، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏السمع والطاعة على المسلم فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وسواء كان الإمام براً وهو القائم بأمر الله فعلاً وتركاً، أو فاجراً وهو الفاسق لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏

والحج والجهاد مع الأئمة ماضيان نافذان، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة سواء كانوا أبراراً أو فجاراً، لأن مخالفتهم في ذلك توجب شق عصا المسلمين والتمرد عليهم‏.‏

والحديث الذي ذكره المؤلف ‏"‏ثلاث من أصل الإيمان‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏ إلخ ضعيف كما رمز له السيوطي في الجامع الصغير، وفيه راو قال المزي ‏:‏إنه مجهول‏.‏ وقال المنذري في مختصر أبي داود ‏:‏ شبه مجهول‏.‏

والثلاث الخصال المذكورة فيه هي‏:‏ ‏"‏الكف عمن قال‏:‏ لا إله إلا الله‏"‏ والثانية‏:‏ ‏"‏الجهاد ماض‏"‏ إلخ‏.‏ والثالثة‏:‏ ‏"‏الإيمان بالأقدار‏"‏‏.‏

والخروج على الإمام محرم لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، على السمع والطاعة في منشطنا، ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثره ‏:‏علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان‏)‏‏.‏ متفق عليه‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع قالوا‏:‏ أفلا نقاتلهم‏؟‏ قال‏:‏ لا ماصلوا لا ما صلوا‏.‏ أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏

ومن فوائد الحديثين أن ترك الصلاة كفر بواح، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، لم يجز الخروج على الأئمة إلا بكفر بواح، وجعل المانع من قتالهم فعل الصلاة فدل على أن تركها مبيح لقتالهم، وقتالهم لا يباح إلا بكفر بواح كما في حديث عبادة‏.‏

هجران أهل البدع

الهجران مصدر هجر وهو لغة‏:‏ الترك‏.‏

والمراد بهجران أهل البدع‏:‏ الابتعاد عنهم، وترك محبتهم، وموالاتهم، والسلام عليهم، وزيارتهم، وعيادتهم، ونحو ذلك‏.‏

وهجران أهل البدع واجب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏‏.‏ ولأن النبي، صلى الله عليه وسلم ، هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك‏.‏

لكن إن كان في مجالستهم مصلحة لتبيين الحق لهم وتحذيرهم من البدعة فلا بأس بذلك، وربما يكون ذلك مطلوباً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏‏.‏ وهذا قد يكون بالمجالسة، والمشافهة، وقد يكون بالمراسلة، والمكاتبة، ومن هجر أهل البدع‏:‏ ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها، أو ترويجها بين الناس فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب لقوله صلى الله عليه وسلم ، في الدجال‏:‏ ‏(‏من سمع به فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات‏)‏‏.‏ رواه أبو داود قال الألباني‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

لكن إن كان الغرض من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به وكان قادراً على الرد عليهم، بل ربما كان واجباً، لأن رد البدعة واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب‏.‏

الجدال والخصام في الدين

الجدال‏:‏ مصدر جادل، والجدل منازعة الخصم للتغلب عليه، وفي القاموس الجدل‏:‏ اللدد في الخصومة، والخصام‏:‏ المجادلة فهما بمعنى واحد‏.‏

وينقسم الخصام والجدال في الدين إلى قسمين‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون الغرض من ذلك إثبات الحق وإبطال الباطل وهذا مأمور به إما وجوباً، أو استحباباً بحسب الحال لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون الغرض منه التعنيت، أو الانتصار للنفس، أو للباطل فهذا قبيح منهي عنه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ‏}‏‏.‏

علامة أهل البدع وذكر بعض طوائفهم‏:‏

لأهل البدع علامات منها‏:‏

1- 1- أنهم يتصفون بغير الإسلام، والسنة بما يحدثونه من البدع القولية، والفعلية، والعقيدية‏.‏

2- 2- أنهم يتعصبون لآرائهم، فلا يرجعون إلى الحق وإن تبين لهم‏.‏

3- 3- أنهم يكرهون أئمة الإسلام والدين‏.‏

ومن طوائفهم‏:‏

1- الرافضية‏:‏ وهم الذين يغلون في آل البيت ويكفرون من عداهم من الصحابة، أو يفسقونهم، وهم فرق شتى فمنهم الغلاة الذين ادعوا أن عليّاً إله ومنهم دون ذلك‏.‏

وأول ما ظهرت بدعتهم في خلافة علي بن أبي طالب حين قال له عبد الله بن سبأ ‏:‏أنت الإله فأمر علي - رضي الله عنه - بإحراقهم وهرب زعيمهم عبد الله بن سبأ إلى المدائن‏.‏

ومذهبهم في الصفات مختلف‏:‏ فمنهم المشبه، ومنهم المعطل، ومنهم المعتدل‏.‏

وسموا رافضة لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حين سألوه عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فترحم عليهما فرفضوه وأبعدوا عنه‏.‏

وسموا أنفسهم شيعة لأنهم يزعمون أنهم يتشيعون لآل البيت وينتصرون لهم ويطالبون بحقهم في الإمامة‏.‏

2- الجهمية‏:‏ نسبة إلى الجهم بن صفوان الذي قتله سالم أو سلم بن أحوز سنة 121هـ‏.‏

مذهبهم في الصفات التعطيل، والنفي، وفي القدر القول بالجبر، وفي الإيمان القول بالإرجاء وهو أن الإيمان مجرد الإقرار بالقلب وليس القول والعمل من الإيمان ففاعل الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان فهم معطلة، جبرية، مرجئة وهم فرق كثيرة‏.‏

3- الخوارج‏:‏ وهم الذين خرجوا لقتال علي بن أبي طالب بسبب التحكيم‏.‏

مذهبهم التبرؤ من عثمان، وعلي، والخروج على الإمام إذا خالف السنة وتكفير فاعل الكبيرة، وتخليده في النار، وهم فرق عديدة‏.‏

4- القدرية‏:‏ وهم الذين يقولون بنفي القدر عن أفعال العبد، وأن للعبد إرادة وقدرة مستقلتين عن إرادة الله وقدرته، وأول من أظهر القول به معبد الجهني في أواخر عصر الصحابة تلقاه عن رجل مجوسي في البصرة‏.‏

وهم فرقتان غلاة، وغير غلاة، فالغلاة ينكرون علم الله، وإرادته، وقدرته، وخلقه لأفعال العبد وهؤلاء انقرضوا أو كادوا‏.‏ وغير الغلاة يؤمنون بأن الله عالم بأفعال العباد، لكن ينكرون وقوعها بإرادة الله، وقدرته، وخلقه، وهو الذي استقر عليه مذهبهم‏.‏

5- المرجئة‏:‏ وهم الذين يقولون بإرجاء العمل عن الإيمان أي تأخيره عنه فليس العمل عندهم من الإيمان، والإيمان مجرد الإقرار بالقلب فالفاسق عندهم مؤمن كامل الإيمان، وإن فعل ما فعل من المعاصي أو ترك ما ترك من الطاعات، وإذا حكمنا بكفر من ترك بعض شرائع الدين فذلك لعدم الإقرار بقلبه لا لترك هذا العمل، وهذا مذهب الجهمية وهو مع مذهب الخوارج على طرفي نقيض‏.‏

6- المعتزلة‏:‏ أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، وقرر أن الفاسق في منزلة بين منزلتين لا مؤمن ولا كافر، وهو مخلد في النار، وتابعه في ذلك عمرو ابن عبيد‏.‏

ومذهبهم في الصفات التعطيل كالجهمية، وفي القدر قدرية ينكرون تعلق قضاء الله وقدره بأفعال العبد، وفي فاعل الكبيرة أنه مخلد في النار وخارج من الإيمان في منزلة بين منزلتين الإيمان والكفر، وهم عكس الجهمية في هذين الأصلين‏.‏

7- الكرامية‏:‏ أتباع محمد بن كرام المتوفى سنة 255هـ يميلون إلى التشبيه، والقول بالإرجاء وهم طوائف متعددة‏.‏

8- السالمية‏:‏ أتباع رجل يقال له‏:‏ ابن سالم يقولون بالتشبيه‏.‏

وهذه هي الطوائف التي ذكرها المؤلف ثم قال‏:‏ ونظائرهم مثل الأشعرية أتباع أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كان في أول أمره يميل إلى الاعتزال حتى بلغ الأربعين من عمره، ثم أعلن توبته من ذلك، وبين بطلان مذهب المعتزلة وتمسك بمذهب أهل السنة رحمه الله، أما من ينتسبون إليه فبقوا على مذهب خاص يعرف بمذهب الأشعرية لا يثبتون من الصفات إلا سبعاً زعموا أن العقل دل عيها ويؤولون ما عداها وهي المذكورة في هذا البيت‏:‏

حي عليم قدير والكلام له ** إرادة وكذاك السمع والبصر

ولهم بدع أخرى في معنى الكلام، والقدر وغير ذلك‏.‏

الخلاف في الفروع

الفروع جمع فرع وهو لغة ما بني على غيره‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ ما لا يتعلق بالعقائد كمسائل الطهارة، والصلاة ونحوها‏.‏

والاختلاف فيها ليس بمذموم حيث كان صادراً عن نية خالصة واجتهاد، لا عن هوى وتعصب، لأنه وقع في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم ، ولم ينكره حيث قال في غزوة بني قريظة‏:‏ ‏(‏لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة‏)‏‏.‏ فحضرت الصلاة قبل وصولهم فأخر بعضهم الصلاة حتى وصلوا بني قريظة وصلى بعضهم حين خافوا خروج الوقت ولم ينكر النبي، صلى الله عليه وسلم ، على واحد منهم‏.‏ رواه البخاري‏.‏ ولأن الاختلاف فيها موجود في الصحابة وهم خير القرون، ولأنه لا يورث عداوة، ولا بغضاء، ولا تفرق كلمة بخلاف الاختلاف في الأصول‏.‏

وقول المؤلف‏:‏ ‏"‏المختلفون فيه محمودون في اختلافهم‏"‏ ليس ثناء على الاختلاف فإن الاتفاق خير منه، وإنما المراد به نفي الذم عنه، وأن كل واحد محمود على ما قال، لأنه مجتهد فيه مريد للحق فهو محمود على اجتهاده واتباع ما ظهر له من الحق وإن كان قد لا يصيب الحق، وقوله‏:‏ ‏"‏إن الاختلاف في الفروع رحمة وإن اختلافهم رحمة واسعة‏"‏، أي داخل في رحمة الله وعفوه حيث لم يكلفهم أكثر مما يستطيعون ولم يلزمهم بأكثر مما ظهر لهم، فليس عليهم حرج في هذا الاختلاف، بل هم فيه داخلون تحت رحمة الله وعفوه، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد‏.‏

الإجماع وحكمه

الإجماع لغة‏:‏ العزم والاتفاق‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ اتفاق العلماء المجتهدين من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم ، على حكم شرعي بعد النبي، صلى الله عليه وسلم‏.‏

وهو حجة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏‏.‏ وقول النبي، صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تجتمع أمتي على ضلالة‏)‏‏.‏ رواه الترمذي‏.‏

التقليد

التقليد لغة‏:‏ وضع القلادة في العنق‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ اتباع قول الغير بلا حجة‏.‏

وهوجائز لمن لا يصل إلى العلم بنفسه لقوله تعالى‏:‏‏{‏فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

والمذاهب المشهورة أربعة‏:‏

المذهب الحنفي‏:‏ وإمامه أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام أهل العراق، ولد سنة 80هـ وتوفي سنة 150هـ‏.‏

المالكي‏:‏ وإمامه أبو عبد الله مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، ولد سنة 93هـ وتوفي سنة 179هـ‏.‏

الشافعي‏:‏ وإمامه أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ولد سنة 150هـ وتوفي سنة 204هـ‏.‏

الحنبلي‏:‏ وإمامه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، ولد سنة 164هـ وتوفي سنة 241هـ‏.‏

وهناك مذاهب أخرى كمذهب الظاهرية، والزيدية، والسفيانية، وغيرهم، وكل يؤخذ من قوله ما كان صواباً، ويترك من قوله ما كان خطأ، ولا عصمة إلا في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏

نسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بكتابه وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم ، ظاهراً وباطناً، وأن يتوفانا على ذلك، وأن يتولانا في الدنيا والآخرة، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب‏.‏

والحمد لله كثيراً، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه، عز جلاله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‏.‏

تم في عصر الجمعة الموافق 10/1/1392هـ‏.‏

بقلم مؤلفه

الفقير إلى الله

محمد الصالح العثيمين